تطوّر الحضور الرقمي للشرق الأوسط

بقلم: مايكل كوغلر، رئيس العمليات ورئيس التسويق في شركة مايكروسوفت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

ها هو العام 2015 يمرّ بالسرعة ذاتها التي مرّ فيها العام الذي سبقه، وكما في العام السابق، نرى عدّة اتجاهات تكنولوجية جديدة علينا مجاراتها لنبقى داخل دائرة المنافسة في عالم لا ينفكّ يتغيّر. لكن قبل الغوص في هذا العام الجديد وفي كل ما يحمله، أودّ أن نلقي مرة أخرى على اتجاهات الاستهلاك السحابي واستهلاك المحتوى التي سبق أن سلطّت الضوء عليها في العامين الأخيرين.

أفضلية المتحرّك الأخير

في عام 2013، كتبت مقالة تتحدث عن أنّ منطقة الشرق الأوسط تعتمد تدريجيا التكنولوجيا السحابية وأنّها تحظى بـ"أفضلية المتحرّك الأخير" المحتملة، وتحدّثت عن التي تمنحها هذه الأفضلية والتي تفسح المجال لإقبال ملحوظ على السحابة. وتبيّن أنّني كنت على حق، إذ أخذت المنطقة تتبنّى بسرعة تكنولوجيا الإنترنت والهواتف الذكية، وازداد الطلب على النفاذ إلى المحتوى الشخصي ومحتوى الأعمال ومحتوى الترفيه من أي جهاز. بالإضافة إلى ذلك، ولأنّ الحوسبة السحابية تتيح للأفراد والمؤسسات استئجار المعدات والتطبيقات وأنظمة تكنولوجيا المعلومات الافتراضية تبعاً لمبدأ الدفع بحسب الاستهلاك، ارتفعت قدراتهم التقنية إلى حد كبير، وبقيت التكاليف منخفضة وإمكانية التوسيع ممكنة. وأنا شخصياً أشارك مايكروسوفت الرأي بأنّ للحوسبة أقوى الإمكانيات لتغيير مفهوم التنافسية في القطاعين العام والخاص على حد سواء، ولتقديم نفاذ أكبر إلى تكنولوجيا المعلومات، وللحدّ من التكاليف، ولإفساح المجال أمام بروز نماذج عمل مبتكرة وأكثر سرعة.

 على ضوء هذا الاهتمام المتنامي بالسحابة، ومع وصول تكنولوجيا الحوسبة السحابية إلى مرحلة الاكتظاظ في أميركا الشمالية مثلاً، حوّل الكثير من الاختصاصيين في مجال تخزين البيانات والشبكة أنظارهم إلى الشرق الأوسط، ممّا يمنح المنطقة ميّزة الانخراط في عالم مجرّب ومستقرّ. وهذا بدوره يفتح المجال لتبنّي هذه التكنولوجيا السريع، ولا سيما مع تحوّل النقاش حول السحابة من موضوعَي "الأمن" و"الخصوصية" إلى "كيفية التحرّك" وحتّى إلى الفكرة أن الانتقال فوراً إلى مفهوم "العمل السحابي أولاً" يساهم في تحفيز النمو والابتكار. فلا شك في أن الخدمات السحابية ستحثّ على التغيير الاقتصادي في المنطقة، وتتيح قدرة وصول غير مكلفة إلى عالم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على مستوى المؤسسات. وسيسرّع هذا الانتقال أيضاً المزايا التي يؤمنها النفاذ إلى المعلومات، والتخزين، وسبل العمل الجديدة، والعوائد على الاستثمار. ونحن في مايكروسوفت عمدنا إلى إنشاء شبكة متنوّعة من الشركاء في الشرق الأوسط وأفريقيا، ليعملوا على تطوير خدماتنا السحابية وبيعها ونشرها ودعمها وتحفيز التنافسية عل مستوى المنطقة.

لا شكّ في أنّ الشرق الأوسط قادر على تعليم "أول المتحرّكين" بعض الأمور عن الابتكار ورضا المستهلك النهائي. فمن خلال تخطّي تقنيات الشبكات القديمة وتطبيق التقنيات الجديدة التي لا تزال الأسواق المتطورة تتحضّر لها، بإمكان أي مؤسسة، صغيرة كانت أم كبيرة، أن تستفيد من أحدث موارد تكنولوجيا المعلومات المُدارة خارجياً، الأمر الذي يسمح لها بتوحيد عملياتها في منظومة واحدة، فيسهل على العملاء التفاعل معها. ونحن ندرك أيضاً أهمية التي تراها هذه المؤسسات في الحدّ من التكاليف عبر تخفيض أسفار موظفيها واستهلاك الطاقة، وزيادة التعاون، وتحسين أجهزة الكمبيوتر وجعل عملية شراء تكنولوجيا المعلومات مسألة سهلة. وهذا الكلام ليس بعيداً عن الواقع إذا طبّقت ممارسات عمل جديدة، شأن العمل في السحابة.

ابتكار متمحور حول الحلول

 في هذه المنطقة، لا يقتصر الابتكار دائماً على تطوير التكنولوجيا المقبلة الجديدة ، بل يركّز أكثر على إيجاد الحلول للتحديات الإقليمية. فمنطقة الشرق الأوسط سوق استهلاك مهمة وملفتة، لذا يكون التركيز الأهم على إيجاد طرق للوصول إلى هذه السوق وتلبية احتياجاتها عبر الاستعانة بالتكنولوجيا. وبما أنّ لرضا المستهلك النهائي أهمية كبيرة في مؤسسات المنطقة، لن يكون من المفاجئ أن تصبح الابتكارات للوصول إلى المستهلك داخل دائرة المنافسة العالمية.

ولكي يتمّ ذلك، تقضي الخطوة الأولى بدعم رواد الأعمال المحليين لكي ينموا في الشرق الأوسط، كما فعلت مايكروسوفت وبعض شركائها مؤخراً مع طرح برنامج Cloud Startup Academy لريادة الأعمال تحت مظلة مبادرة 4Afrika بهدف دعم الشابات المغربيات على تأسيس مؤسساتهنّ الصغيرة والمتوسطة. ويقدّم هذا البرنامج تدريباً لمدّة ستّة أشهر في مجال ريادة الأعمال، تتدرّب في خلاله المرشّحات على مواضيع تخصّ السحابة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ويتعلّمن مهارات متنوعة منها المبيعات، واستخدام التكنولوجيا، والتسويق والاتصالات وإدارة المؤسسات الناشئة، بهدف الانضمام إلى شركاء مايكروسوفت على السحابة.

ونجد أيضاً الطلاب الذين يستخدمون التكنولوجيا لابتكار طرق جديدة ملفتة للمساهمة في تطوير الحياة الرقمية في الشرق الأوسط. فقد فاز الطلّاب من قطر والبحرين بجائرة "كأس التخيل العربية" العام الماضي، عن مشروعَي I Copy You وButterfly تباعاً. ففاز فريق I Copy You عن فئة المواطنية بفضل برنامجه التعليمي منخفض الكلفة الذي صُمّم لصقل مهارات التواصل لدى الأطفال الذي يعانون التوحّد، بينما فاز فريق Butterfly عن فئة الابتكار لمشروعه الذي يسمح للمرأة ابتكار طلاء أظافر خاص بها. وكان أداء المنطقة في كأس التخيّل جيداً في الأعوام الأخيرة، إذا فاز فريقMASKed Ninjas من مصر عن تطبيقه على هواتف Windows 8 وWindows الذي يتيح للمستخدم اختيار لقطات الفيديو الأنسب لأي مقالة.

تعطّش للمحتوى المحلي

يظهر في المنطقة العربية تعطّشاً كبيراً إلى المحتوى الرقمي، وتطرّقت إلى هذا الموضوع للمرة الأولى في شهر أبريل 2013. فمن شأن تشجيع المحتوى باللغة العربية على الإنترنت أن يساهم في تنويع الاقتصاد وتحسين الفرص في الشرق الأوسط. مع أنّ معدل النمو السنوي لجمهور الشرق الأوسط على الإنترنت  وصل إلى 2500%، حتّى أصبح مجموع عدد مستخدمي الإنترنت 125 مليون مستخدم، وبما أنّ الناطقين باللغة العربية يشكّلون 4.5% من السكان حول العالم، أقل من 3% فقط من إجمالي المحتوى العالمي على الإنترنت مكتوب باللغة العربية.

مع ذلك، تُعدّ اللغة العربية اللغة الأسرع نمواً على الإنترنت، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى وجود أكثر من 60 مليون مستخدم على موقع فيسبوك من الشرق الأوسط، وسبعة ملايين مستخدم على موقع تويتر، والنسب الأعلى في العالم في تحميل الفيديو.

ومن الملفت أيضاً أنّ 93% من لقطات الفيديو التي تُنتج في الشرق الأوسط ناطقة باللغة العربية. وشهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة انتشار المدوّنات حول الاهتمامات المميّزة وتنامي عدد مدوّنات الفيديو الصادرة من الشرق الأوسط. وفي الوقت ذاته، جاء وصول عناوين المواقع الإلكترونية (domain names) باللغة العربية ليقدّم حافزاً مهماً.

الجدير بالذكر أنّ استخدام اللغة العربية على المنصات الرقمية في الشرق الأوسط يُعدّ من الأسباب التي أدت إلى انتشار الهواتف المتحرّكة، التي تقدّم خدمَتي المكالمات الصوتية والمراسلة الرقمية باللغة العامية. وباعتبار أنّ أكثر من نصف عدد السكان لا ينطقون بالإنجليزية، و60% يفضّلون تصفّح المحتوى على الإنترنت باللغة العربية، فمن المنطقي تشجيع المحتوى العربي الرقمي. وأرى الفرص لتحقيق ذلك بفضل مشاريع شأن مبادرة "أفكار" من مايكروسوفت، التي تعمل في هذا الاتجاه.

ستكون هذه من أهمّ الاتجاهات عام 2015، بالإضافة إلى تبنّي الخدمات السحابية على نطاق أوسع في أوساط المؤسسات الحكومية والخاصة. من الأكيد أن الشرق الأوسط منطقة مهمّة لمايكروسوفت، فنحن نعمل فيها منذ 25 عاماً. وسنواصل الاستثمار في النمو ونبقى شريكاً قوياً لعملائنا، وملتزمين بمستقبل المنطقة أثناء خوضها غمار هذه المجالات المهمّة.